كلمة رئيس مجلس الإدارة
كلمة رئيس مجلس الإدارة:

في مثل حالتنا الفلسطينية يبقى الانتماء الحقيقي للوطن سيد الموقف ، ويبقى العمل من أجله وتحقيق الإنجازات في سبيله مؤشراً صادقاً على هذا الانتماء ، وبلورة حقيقية لترجمة هذا التوجه سلوكاً حيَّاً. ولما كان شعبنا الفلسطيني يعيش ظروفاً قاسية بكل أبعادها ومكوناتها، ويعاني معاناة مرة فرض مفرداتها عليه الاحتلال البغيض، كان من واجب كل غيور أن يسارع إلى الإسهام في التخفيف من قسوة هذه الظروف، ومرارة هذه المعاناة، وصولاً إلى تحقيق تنمية مستدامة تفضي إلى الانعتاق من نير هذا الاحتلال.ولعل هذا الاستثمار الأنجع، الذي يؤتي ثماره على المدى البعيد هو ما يكون في النشء، تربية وتعليماً، يتناولان شخصية الناشئ بأبعادها المعرفية والوجدانية والسلوكية بغية تحقيق التكاملية فيها. 

ولمّا كان الطفل الفلسطيني من بين أكثر أطفال العالم معاناة، بفعل سياسات الاحتلال الإسرائيلي القمعيّة التي هدفت وعلى مدى عشرات السنين إلى سلبه حريته وقمعه وكبت قدراته العقلية والجسمية، سارع المجتمع الفلسطيني منذ قيام السلطة الوطنيّة الفلسطينية في العام 1994 بمختلف مؤسساته العامة والخاصة وقواه الفاعلة وعناصره المبادرة وما هو ملقى على عاتقهم من دور مهم ورائد حيال الأجيال المتلاحقة إلى إيجاد جسم مؤهل وقادر على تأهيل هذا الطفل وبنائه وتنميته بصورة صحيّة سليمة تمكنه من مواجهة تحديات زمانه ومكانه بما يتلاءم واحتياجات مجتمعه نحو التقدم والتطور والتحرر، فكانت الولادة الطبيعية والانطلاقة النوعيّة للجنة الوطنية للمخيمات الصيفيّة في ظل ظروف قاسية تمثلت بالهجمة الإسرائيلية العدوانية على مجتمعنا الفلسطيني إبان انتفاضة الأقصى، مما جعل من الخطط والوسائل التي لجأت إليها اللجنة لمواجهة عوائق الاحتلال ومعيقاته والتغلب عليها في ذلك الوقت، تجربة رائدة في مجال خدمة فئاتها المستهدفة. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ هذه اللجنة ما كانت لترى النور لولا جهود المؤسسات الحكوميّة والأهليّة والدوليّة ومبادرة تعاون منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" والتي تجلّت من خلال بلورة رؤية وطنيّة واضحة ومشرقة تجاه هذه الفئة تكللت بالإعلان الوطني للمخيمات الصيفيّة، والذي شكّل بدوره مجالا رحبا للاستثمار الوطني والإستراتيجي في الإنسان الفلسطيني. 

ومن يتابع مسيرة اللجنة الوطنية للمخيمات الصيفية خلال أربعة عشر عاما في بناء أطفال فلسطين وطلائعها، يرصد قدرا كبيرا من الإنجازات التي ما كانت لتتم لولا إرادة صلبة وانتماء حقيقي لمؤسسات هذا الوطن التي يجب أن تبقى بمثابة مسننات آلة منتجة، وبدون هذه المسننات القوية والمصونة باستمرار لتعطلت هذه الآلة وتوقف إنتاجها. فالمخيمات الصيفية التي نظمتها هذه اللجنة عبر الوطن بأكمله اشتملت على أنشطة متنوعة هدفت في المحصلة النهائية إلى تحقيق الأهداف التي نص عليها الإعلان الوطني للمخيمات الصيفية قام بتنفيذها كوادر مدربة في ميادين مختلفة. وقد استطاعت هذه المخيمات الدوريّة أن تدمج الأطفال في مناطق مختلفة في أجواء من الفرح والمرح واللعب لترسم الابتسامة على وجوههم، وتنسيهم ما يعانونه من خوف وتوتر بفعل الظروف المحيطة بهم نتيجة عوامل سلبية عديدة على رأسها الاحتلال .

كما أنّ الندوات التثقيفية التي تعقد في هذه المخيمات ساهمت إلى حد كبير في زرع مجموعة كبيرة من القيم الدينية والوطنية والاجتماعية في نفوس هؤلاء الأطفال والطلائع، فانعكس ذلك على سلوكهم وتصرفاتهم. كما وأصبح الطفل على اطلاع بحقوقه وواجباته. أما على صعيد الدورات التدريبية فقد كانت النتائج باهرة؛ لأن هذه الدورات كانت بمثابة بذور نمت وتفتحت مزهرة قيادات شابة ذات مهارة في الاتصال والتواصل وإدارة النزاعات وحل المشكلات، إضافة إلى دراية واسعة في مجال الكتابة الإبداعية والبحث العلمي والمحافظة على البيئة وممارسة رياضات عديدة، والفن التشكيلي، وغيرها الكثير من المهارات والإبداعات في مجالات عدّة. 

وبتبنّي الزعيم الراحل المغفور له ياسر عرفات الإعلان الوطني للمخيّمات الصيفيّة بتاريخ 8/9/2001 تم تتويج نجاحات هذه الجهود المعطاءة المثمرة، التي زادها نجاحا تقديمها نموذجا مميزا في العمل المشترك الجامع للمؤسسات الحكوميّة والأهليّة وبرؤية وطنيّة موحدة، وآليات عمل واضحة قائمة على أساس الشفافية وتوزيع الأدوار وتعزيز العمل بروح الفريق المرتبط بتوجّهات تنمويّة كان محور اهتمامها أولويات واحتياجات الأطفال والطلائع بعيدا عن الفرديّة والاحتكار للعمل والإنجاز. 

وحرصا من القيادة الفلسطينية متمثلة بسيادة الرئيس محمود عباس، وإدراكا منه لأهمية تنشئة الجيل الصاعد، فقد أصدر مرسوما رئاسيا تحت رقم (5) لسنة 2010م بتاريخ 19/05/2010، يمنح اللجنة الشخصية الاعتبارية المستقلة والأهلية القانونية الكاملة، وتتبع رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية/ رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر الذي يدعو إلى تضافر الجهود ؛لكي تحقق هذه اللجنة أهدافها المنشودة، وتؤدي رسالتها على أكمل وجه. 
والله الموفق ...